فصل: (سورة الزخرف: الآيات 74- 78):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقرئ: {يا عباد تُحْبَرُونَ} تسرون سرورا يظهر حباره- أى: أثره- على وجوهكم، كقوله تعالى: {تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ} وقال الزجاج: تكرمون إكراما يبالغ فيه. والحبرة: المبالغة فيما وصف بجميل. والكوب: الكوز لا عروة له وَفِيها الضمير للجنة. وقرئ {تشتهي} و{تشتهيه}. وهذا حصر لأنواع النعم، لأنها إما مشتهاة في القلوب، وإما مستلذة في العيون.
{وَتِلْكَ} إشارة إلى الجنة المذكورة. وهي مبتدأ، و{الْجَنَّةُ} خبر. و{الَّتِي أُورِثْتُمُوها} صفة {الجنة}. أو {الجنة} صفة للمبتدإ الذي هو اسم الإشارة. و{التي أورثتموها}: خبر المبتدإ. أو {التي أورثتموها}: صفة، و{بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} الخبر، والباء تتعلق بمحذوف كما في الظروف التي تقع أخبار. وفي الوجه الأول تتعلق بأورثتموها. وشبهت في بقائها على أهلها بالميراث الباقي على الورثة. وقرئ: {ورّثتموها مِنْها تَأْكُلُونَ} من للتبعيض، أى: لا تأكلون إلا بعضها، وأعقابها باقية في شجرها، فهي مزينة بالثمار أبدا موقرة بها، لا ترى شجرة عريانة من ثمرها كما في الدنيا. وعن النبي صلى الله عليه وسلم «لا ينزع رجل في الجنة من ثمرها إلا نبت مكانها مثلاها».

.[سورة الزخرف: الآيات 74- 78]:

{إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذابِ جَهَنَّمَ خالِدُونَ (74) لا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ (75) وَما ظَلَمْناهُمْ وَلكِنْ كانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ (76) وَنادَوْا يا مالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنا رَبُّكَ قال إِنَّكُمْ ماكِثُونَ (77) لَقَدْ جِئْناكُمْ بِالْحَقِّ وَلكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كارِهُونَ (78)}.
{لا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ} لا يخفف ولا ينقص، من قولهم: فترت عنه الحمى إذا سكنت عنه قليلا ونقص حرّها. والمبلس: اليائس الساكت سكوت يأس من فرج. وعن الضحاك: يجعل المجرم في تابوت من نار ثم يردم عليه فيبقى فيه خالدا: لا يرى ولا يرى هُمْ فصل عند البصريين، عماد عند الكوفيين. وقرئ: {وهم فيها}، أى: في النار وقرأ على وابن مسعود رضى اللّه عنهما: {يا مال}، بحذف الكاف للترخيم، كقول القائل:
والحق يا مال غير ما تصف

وقيل لابن عباس: إن ابن مسعود قرأ: {ونادوا يا مال}، فقال: ما أشغل أهل النار عن الترخيم.
وعن بعضهم: حسن الترخيم أنهم يقتطعون بعض الاسم لضعفهم وعظم ما هم فيه. وقرأ أبو السرار الغنوي: {يا مال}، بالرفع كما يقال: يا حار {لِيَقْضِ عَلَيْنا رَبُّكَ} من قضى عليه إذا أماته {فَوَكَزَهُ مُوسى فَقَضى عَلَيْهِ} والمعنى: سل ربك أن يقضى علينا. فإن قلت: كيف قال: {وَنادَوْا يا مالِكُ} بعد ما وصفهم بالإبلاس؟ قلت: تلك أزمنة متطاولة وأحقاب ممتدة، فتختلف بهم الأحوال فيسكتون أوقاتا لغلبة اليأس عليهم، وعلمهم أنه لا فرج لهم، ويغوّثون أوقاتا لشدّة ما بهم {ماكِثُونَ} لابثون. وفيه استهزاء. والمراد: خالدون. عن ابن عباس رضى اللّه عنهما: إنما يجيبهم بعد ألف سنة. وعن النبي صلى الله عليه وسلم «يلقى على أهل النار الجوع حتى يعدل ما هم فيه من العذاب، فيقولون: ادعوا مالكا، فيدعون يا مالك ليقض علينا ربك». لَقَدْ جِئْناكُمْ بِالْحَقِّ كلام اللّه عز وجل: بدليل قراءة من قرأ: {لقد جئتكم}. ويجب أن يكون في {قال} ضمير اللّه عز وجل. لما سألوا مالكا أن يسأل اللّه تعالى القضاء عليهم: أجابهم اللّه بذلك كارِهُونَ لا تقبلونه وتنفرون منه وتشمئزون منه، لأنّ مع الباطل الدعة، ومع الحق التعب.

.[سورة الزخرف: الآيات 79- 80]:

{أَمْ أَبْرَمُوا أَمْرًا فَإِنَّا مُبْرِمُونَ (79) أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْواهُمْ بَلى وَرُسُلُنا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ (80)}.
{أَمْ} أبرم مشركو مكة {أَمْرًا} من كيدهم ومكرهم برسول اللّه صلى الله عليه وسلم {فَإِنَّا مُبْرِمُونَ} كيدنا كما أبرموا كيدهم، كقوله تعالى: {أَمْ يُرِيدُونَ كَيْدًا فَالَّذِينَ كَفَرُوا هُمُ الْمَكِيدُونَ}؟
وكانوا يتنادون فيتناجون في أمر رسول اللّه صلى الله عليه وسلم. فإن قلت: ما المراد بالسر والنجوى؟ قلت: السر ما حدث به الرجل نفسه أو غيره في مكان خال. والنجوى: ما تكلموا به فيما بينهم {بَلى} نسمعهما ونطلع عليهما {وَرُسُلُنا} يريد الحفظة عندهم {يَكْتُبُونَ} ذلك.
وعن يحيى بن معاذ الرازي: من ستر من الناس ذنوبه وأبداها للذي لا يخفى عليه شيء في السماوات فقد جعله أهون الناظرين إليه، وهو من علامات النفاق.

.[سورة الزخرف: الآيات 81- 82]:

{قُلْ إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ (81) سُبْحانَ رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ (82)}.
{قُلْ إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ} وصح ذلك وثبت ببرهان صحيح توردونه وحجة واضحة تدلون بها {فَأَنَا أَوَّلُ} من يعظم ذلك الولد وأسبقكم إلى طاعته والانقياد له: كما يعظم الرجل ولد الملك لتعظيم أبيه، وهذا كلام وارد على سبيل الفرض والتمثيل لغرض، وهو المبالغة في نفى الولد والإطناب فيه، وأن لا يترك الناطق به شبهة إلا مضمحلة مع الترجمة عن نفسه بثبات القدم في باب التوحيد، وذلك أنه علق العبادة بكينونة الولد وهي محال في نفسها، فكان المعلق بها محالا مثلها، فهو في صورة إثبات الكينونة والعبادة، وفي معنى نفيهما على أبلغ الوجوه وأقواها. ونظيره أن يقول العدلى للمجبر. إن كان اللّه تعالى خالقا للكفر في القلوب ومعذبا عليه عذابا سرمدا، فأنا أول من يقول: هو شيطان وليس بإله، فمعنى هذا الكلام وما وضع له أسلوبه ونظمه نفى أن يكون اللّه تعالى خالقا للكفر، وتنزيهه عن ذلك وتقديسه، ولكن على طريق المبالغة فيه من الوجه الذي ذكرنا، مع الدلالة على سماجة المذهب وضلالة الذاهب إليه، والشهادة القاطعة بإحالته والإفصاح عن نفسه بالبراءة منه، وغاية النفار والاشمئزاز من ارتكابه. ونحو هذه الطريقة قول سعيد بن جبير رحمه اللّه للحجاج حين قال له: أما واللّه لأبدلنك بالدنيا نارا تلظى: لو عرفت أن ذلك إليك ما عبدت إلها غيرك. وقد تمحل الناس بما أخرجوه به من هذا الأسلوب الشريف المليء بالنكت والفوائد المستقل بإثبات التوحيد على أبلغ وجوهه، فقيل: إن كان للرحمن ولد في زعمكم، فأنا أول العابدين الموحدين للّه، المكذبين قولكم بإضافة الولد إليه. وقيل: إن كان للرحمن ولد في زعمكم فأنا أول الآنفين من أن يكون له ولد من عبد يعبد: إذا اشتد أنفه فهو عبد وعابد. وقرأ بعضهم: {العبدين}. وقيل: هي إن النافية، أى: ما كان للرحمن ولد، فأنا أول من قال بذلك وعبد ووحد، وروى أنّ النضر بن عبد الدار بن قصى قال: إن الملائكة بنات اللّه فنزلت، فقال النضر: ألا ترون أنه قد صدقنى. فقال له الوليد بن المغيرة: ما صدقك ولكن قال: ما كان للرحمن ولد فأنا أول الموحدين من أهل مكة: أن لا ولد له. وقرئ: {ولد}، بضم الواو. ثم نزه ذاته موصوفة بربوبية السماوات والأرض والعرش عن اتخاذ الولد، ليدل على أنه من صفة الأجسام. ولو كان جسما لم يقدر على خلق هذا العالم وتدبير أمره.

.[سورة الزخرف: آية 83]:

{فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (83)}.
{فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا} في باطلهم {وَيَلْعَبُوا} في دنياهم {حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ} وهذا دليل على أنّ ما يقولونه من باب الجهل والخوض واللعب، وإعلام لرسول اللّه صلى الله عليه وسلم أنهم من المطبوع على قلوبهم الذين لا يرجعون البتة، وإن ركب في دعوتهم كل صعب وذلول، وخذلان لهم وتخلية بينهم وبين الشيطان، كقوله تبارك تعالى: {اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ} وإيعاد بالشقاء في العاقبة.

.[سورة الزخرف: الآيات 84- 85]:

{وَهُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ (84) وَتَبارَكَ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (85)}.
ضمن اسمه تعالى معنى وصف، فلذلك علق به الظرف في قوله: {فِي السَّماءِ} {وَفِي الْأَرْضِ} كما تقول، هو حاتم في طىّ حاتم في تغلب، على تضمين معنى الجواد الذي شهر به، كأنك قلت:
هو جواد في طى جواد في تغلب. وقرئ: {وهو الذي في السماء اللّه وفي الأرض اللّه}. ومثله قوله تعالى: {وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّماواتِ وَفِي الْأَرْضِ} كأنه ضمن معنى المعبود أو المالك أو نحو ذلك.
والراجع إلى الموصول محذوف لطول الكلام، كقولهم: ما أنا بالذي قائل لك شيئا، وزاده طولا أنّ المعطوف داخل في حيز الصلة. ويحتمل أن يكون فِي السَّماءِ صلة الذي وإله خبر مبتدإ محذوف، على أنّ الجملة بيان للصلة. وأنّ كونه في السماء على سبيل الإلهية والربوبية، لا على معنى الاستقرار. وفيه نفى الآلهة التي كانت تعبد في الأرض {تُرْجَعُونَ} قرئ بضم التاء وفتحها. و{يرجعون}، بياء مضمومة. وقرئ: {تحشرون}، بالتاء.

.[سورة الزخرف: الآيات 86- 87]:

{وَلا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفاعَةَ إِلاَّ مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (86) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقولنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ (87)}.
{ولا يملك} آلهتهم {الذين يدعون} من دون اللّه {الشفاعة}، كما زعموا أنهم شفعاؤهم عند اللّه، ولكن {من شَهِدَ بِالْحَقِّ} وهو توحيد اللّه، وهو يعلم ما يشهد به عن بصيرة وإيقان وإخلاص: هو الذي يملك الشفاعة، وهو استثناء منقطع. ويجوز أن يكون متصلا، لأنّ في جملة {الذين يدعون من دون} اللّه: الملائكة، وقرئ: {تدعون} بالتاء. و{تدّعون}، بالتاء وتشديد الدال.

.[سورة الزخرف: الآيات 88- 89]:

{وَقِيلِهِ يا رَبِّ إِنَّ هؤُلاءِ قَوْمٌ لا يُؤْمِنُونَ (88) فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (89)}.
{وَقِيلِهِ} قرئ بالحركات الثلاث، وذكر في النصب عن الأخفش أنه حمله على: {أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم} وقيله: وعنه: وقال قيله. وعطفه الزجاج على محل الساعة، كما تقول: عجبت من ضرب زيد وعمرا، وحمل الجرّ على لفظ الساعة، والرفع على الابتداء، والخبر ما بعده: وجوّز عطفه على علم الساعة على تقدير حذف المضاف. معناه: عنده علم الساعة وعلم قيله. والذي قالوه ليس بقوى في المعنى مع وقوع الفصل بين المعطوف والمعطوف عليه بما لا يحسن اعتراضا، ومع تنافر النظم. وأقوى من ذلك وأوجه: أن يكون الجرّ والنصب على إضمار حرف القسم وحذفه، والرفع على قولهم: أيمن اللّه، وأمانة اللّه، ويمين اللّه، ولعمرك: ويكون قوله: {إِنَّ هؤُلاءِ قَوْمٌ لا يُؤْمِنُونَ} جواب القسم، كأنه قيل: وأقسم بقيله يا رب. أو وقيله يا رب قسمي إنّ هؤلاء قوم لا يؤمنون {فَاصْفَحْ عَنْهُمْ} فأعرض عن دعوتهم يائسا عن إيمانهم، وودعهم وتاركهم، {وَقُلْ} لهم {سَلامٌ} أى تسلم منكم ومتاركة {فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} وعيد من اللّه لهم وتسلية لرسوله صلى الله عليه وسلم. والضمير في {وَقِيلِهِ} لرسول اللّه صلى الله عليه وسلم، وإقسام اللّه بقيله رفع منه وتعظيم لدعائه والتجائه إليه.
عن النبي صلى الله عليه وسلم «من قرأ سورة الزخرف كان ممن يقال له يوم القيامة يا عبادي لا خوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون. ادخلوا الجنة بغير حساب». اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {ولمّا ضُرِبَ ابنُ مريمَ مَثَلًا}.
أكثر المفسرين على أن هذه الآية نزلت في مجادَلة ابنِ الزِّبعري رسولَ الله صلى الله عليه وسلم حين نزل قوله: {إِنَّكم وما تعبُدون مِنْ دونِ الله} الآية [الأنبياء: 98] وقد شرحنا القصة في سورة [الأنبياء: 101].
والمشركون هم الذين ضربوا عيسى مَثَلًا لآلهتهم وشبَّههوه بها، لأن تلك الآية إنما تضمنت ذِكْر الأصنام لأنها عُبِدَتْ مِنْ دون الله، فألزموه عيسى، وضربوه مَثلًا لأصنامهم، لأنه معبود النصارى.
والمراد بقومه: المشركون.
فأمّا {يَصِدُّونَ} فقرأ ابن عامر، ونافع، والكسائي: بضم الصاد، وكسرها الباقون؛ قال الزجاج: ومعناهما جميعًا: يَضِجُّون، ويجوز أن يكون معنى المضمومة: يُعْرِضون.
وقال أبو عبيدة: من كسر الصاد، فمجازها: يَضِجُّون، ومن ضمَّها، فمجازها: يَعْدِلون.
قوله تعالى: {وقالوا أآلهتُنا خيرٌ أَمْ هُوَ} المعنى: ليست خيرًا منه، فإن كان في النار لأنه عُبِدَ مِنْ دون الله، فقد رضينا أن تكون آلهتُنا بمنزلته.
{ما ضَرَبوه لك إلاّ جَدَلًا} أي: ما ذَكَروا عيسى إَلاّ ليجادلوك به، لأنهم قد عَلِموا أن المراد بـ: {حَصَب جهنم} ما اتخذوه من الموات {بل هُمْ قَوْمٌ خَصِمونَ} أي: أصحاب خصومات.
قوله تعالى: {وجَعَلْناه مَثَلًا} أي: آية وعبرة {لبني إسرائيل} يعرِفون به قُدرة الله على ما يريد، إِذ خلَقه من غير أب.
ثم خاطب كفار مكة، فقال: {ولو نشاء لَجَعَلْنا منكم} فيه قولان:
أحدهما: أن المعنى: لَجَعَلْنا بدلًا منكم {ملائكةً}؛ ثم في معنى {يَخْلُفُونَ} ثلاثة أقوال.
أحدها: يخلُف بعضُهم بعضًا، قاله ابن عباس.
والثاني: يخلُفونكم ليكونوا بدلًا منكم، قاله مجاهد.
والثالث: يخلُفون الرُّسل فيكونون رسلًا إِليكم بدلًا منهم، حكاه الماوردي.
والقول الثاني: أن المعنى: {ولو نشاء لجَعَلْنا منكم ملائكة} أي: قَلَبْنَا الخِلقة فجَعَلْنا بعضَكم ملائكةً يخلُفون مَنْ ذهب منكم، ذكره الماوردي.
قوله تعالى: {وإِنه لَعِلْمٌ للسّاعة} في هاء الكناية قولان:
أحدهما: أنها تَرْجِع إِلى عيسى عليه السلام.
ثم في معنى الكلام قولان.
أحدهما: نزولُ عيسى من أشراط الساعة يُعْلَم به قُربها، وهذا قول ابن عباس، ومجاهد، وقتادة، والضحاك، والسدي.
والثاني: أن إحياءَ عيسى الموتى دليلٌ على الساعة وبعث الموتى، قاله ابن إِسحاق.
والقول الثاني: أنها تَرْجِع إلى القرآن، قاله الحسن، وسعيد بن جبير.
وقرأ الجمهور {لَعِلْمٌ} بكسر العين وتسكين اللام؛ وقرأ ابن عباس، وأبو رزين، وأبو عبد الرحمن، وقتادة، وحميد، وابن محيصن: بفتحهما.
قال ابن قتيبة: من قرأ بكسر العين، فالمعنى أنه يُعْلَم به قُرْبُ الساعة، ومن فتح العين واللام، فإنه بمعنى العلامة والدليل.
قوله تعالى: {فلا تَمْتَرُنَّ بها} أي: فلا تَشُكُّنًّ فيها {واتبعون} على التوحيد {هذا} الذي أنا عليه {صراط مستقيم}.
{ولمّا جاء عيسى بالبيِّنات} قد شرحنا هذا في [البقرة: 87].
{قال قد جئتُكم بالحكمة} وفيها قولان.
أحدهما: النُّبوَّة، قاله عطاء، والسدي.
والثاني: الإِنجيل قاله مقاتل.
{وَلأُبَيِّن لكم بعضَ الذي تختلفون فيه} أي من أمر دينكم؛ وقال مجاهد: {بعضَ الذي تختلفون فيه} من تبديل التوراة؛ وقال ابن جرير: من أحكام التوراة.
وقد ذهب قوم إِلى أن البعض هاهنا بمعنى الكُلّ.
وقد شرحنا ذلك في [حم المؤمن: 28]؛ قال الزجاج: والصحيح أن البعض لا يكون في معنى الكُلّ، وإِنما بيَّن لهم عيسى بعض الذي اختلَفوا فيه ممّا احتاجوا إِليه؛ وقد قال ابن جرير: كان بينهم اختلاف في أمر دينهم ودنياهم، فبيَّن لهم أمر دينهم فقط.